لا شيء أجمل ولا أشهى من رحلة جوالة في ربوع ''سويسرا العرب''، فعلى تخوم لبنان، وبين جباله وحقوله وسهوله تتملى العين سحراً استثنائياً في روعته وجماله· وعلى الدروب المتعرجة بين التلال التي تقودك إلى الجبال العالية يحلو للروح أن تتنفس هواء نظيفاً خالياً من كل تلوث، وللنفس أن تتأمل عظمة الخالق الذي وهب هذه الأرض الطيبة كل هذه الكنوز الطبيعية: جمال وهواء وخضرة وآثار وبهاء يسبي الأنظار ويخلب العقول· مزايا فريدة يختص بها لبنان لا تكفي رحلة واحدة للتفصيل فيها، لكن المتعة غير العادية يمكن أن يستشعرها المرء وهو يتابع تفاصيل هذه الرحلة الجوالة والمغامرة الجميلة لاكتشاف الطبيعة الخلابة التي رصدتها عدسة ''الاتحاد'': درب الجبل اللبناني''، هو درب وطني للمشي والاكتشاف والمغامرة، لا يترك أي موقع أثري أو تراثي أو بيئي إلا ويمر به، ولهذا، يغري هواة المشي والرياضة والاكتشاف بسلوكه· يمتد الدرب من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، بطول 350 كلم، ويبدأ من بلدة ''القبيات'' وينتهي في مدينه ''مرجعيون''، ويمر في المدن والقرى والمحميات الطبيعية وقرى الاصطياف· مشروع جمالي مشروع ''درب الجبل اللبناني'' تتولى تنفيذه ''شركة ايكوديت''، وهو ممول من الوكالة الاميركية للتنمية، ويتم بالتنسيق مع وزارتي البيئة والسياحة· ويقوم المشروع برسم خريطة كاملة لهذا الدرب اختارت طرقات قديمة كانت تستخدم في القرون الماضية، وعمل فريق عمل مع المجتمعات المحلية والبلديات والخبراء في مجال المشي في الطبيعة ومع الشركات المنظمة للرحلات البيئية على تحديد مساره، وتعهدت حمايته وتطويره وصيانته على المدى البعيد· ويتيح هذا الدرب لسالكيه فرصة اكتشاف جمال لبنان الطبيعي وثقافته العريقة وتذوق مأكولاته التقليدية الشهية، فهو يمر عبر سفوح جبال شاهقة تغطيها الثلوج ووديان سحيقة تكسوها الخضرة، ومناظر طبيعية خلابة، منها محميات طبيعية ومواقع تراثية عالمية، وقلاع تعود لكل العصور، وقرى عتيقة وبيوت قديمة سطوحها من القرميد، وقصور بناها الأمراء، ولا ينسى مساقط رؤوس عمالقة الأدب والفكر في لبنان، ولا يتجاهل صومعات وأديرة محفورة في الصخور، ولا معابد الرومان· ويمر ''درب الجبل اللبناني'' بأماكن استراحة وبيوت ضيافة ويتفادى الطرقات المعبدة، ويمكن للزائر الاستعانة بخدمات مرشد سياحي أو الاقامة في مراكز التخييم، او مساعدة المزارعين في قطف محاصيلهم كالتفاح والكرز والمشمش والزيتون، او المشاركة في المهرجانات المحلية الشعبية وحتى الاعراس القروية· أبيض··· أبيض ويطغى لون الثلج الأبيض على شعار ''درب الجبل اللبناني'' في اشارة الى اصل تسمية ''لبنان'' ومردها ''الثلج'' او ''اللبن'' (أرض العسل واللبن) في اللغات السامية القديمة، اما اللون الارجواني فيذكِّر بالصباغ الذي كان يستخرجه الفينيقيون من صدف الارجوان المنتشر على شاطئ لبنان قديماً، والذي كان يستعمل لصبغ لباس الملوك ورجال الدين في العصور الماضية· ويرمز الشعار الذي يمزج بين اللونين الابيض والارجواني الى العلاقة الوثيقة عبر التاريخ بين سواحل لبنان وجباله (طرق رومانية قديمة وممرات لنقل الحطب)، ولا ينسى الشعار تذكير هواة المشي على ''درب الجبل اللبناني'' بإرشادات لا بد من العمل بها خلال المسيرة· ويتيح درب الجبل اللبناني للبنانيين خصوصاً المغتربين منهم فرصة فريدة لتوطيد الصلة مع ارضهم وتاريخهم ومع بعضهم، اما السياح العرب والاجانب فان الدرب يمنحهم فرصة اكتشاف جمال لبنان الطبيعي وثقافته العريقة وتذوق مأكولاته التقليدية الشهية· وفي الختام ··· لا يبقى امام هواة المشي الاّ السير على درب الجبل اللبناني لكي يكتشفوا بأنفسهم وعلى الطبيعة أهمية هذا المشروع، والاطلاع عن كثب على طبيعة خلابة، ومعالم نادرة تعبر عن ثقافة أولئك الذين استوطنوا هذا البلد على مر العصور وتركوا إرثهم شاهداً على حضارتهم·